صاروخ ارز اللبناني ... محاولة لبنانية للوصول إلى القمر وغزو الفضاء
لا شك ان العقول والقدرات والكفاءات اللبنانية اثبتت جدارتها مرّات عديدة في عدّة أوجه ومجالات، وفي داخل وخارج لبنان. وواقع الأمر أن رعاية الإبداع اللبناني لا ينقصه سوى النظرة الإستراتيجية المستقبلية، وعزيمة وقرار وإرادة الدولة وتوفير الإمكانات المادية والمعنوية المطلوبة، "وشوفوا عجباً".
ونتطرق هنا إلى محطتين بارزتين من محطات إنجاز الإبداع اللبناني .. للذكرى والعبرة.
صاروخ أرز
في الستينات من القرن الماضي وفي حمأة الصراع على الفضاء الخارجي بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي، ومن يصل أولاً إلى القمر، قام طلاب كليتي الرياضيات والفيزياء في جامعة هايكازيان، بإشراف أساتذتهم وبالتعاون مع الجيش اللبناني، بإجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بعلم الصواريخ والوقود الصلب (وهو الأفضل مقارنة بالوقود السائل)، بدعم مالي من النائب الراحل إميل البستاني قدره 750 ليرة لبنانية (الدولار يساوي حينها 3،15 ليرة).
تم بداية تقديم طلب إلى قيادة الجيش اللبناني للترخيص بالقيام بتجارب إطلاق صواريخ واستعمال مواد متفجرة، وواكب الجيش عبر ضباط ورتباء تقنيين منتدبين عمليات الإطلاق وتأمين السلامة، وعلى رأسهم الملازم أول يوسف وهبه (العميد المتقاعد حالياً)، كما أن مشاغل ثكنة المصالح (اللواء اللوجستي حالياً) قامت بتصنيع منصّات الإطلاق التي كان يصممها الطلبة، وتوفير العتاد والمواد المطلوبة.
قام الطلاب بإجراء تجارب حيّة في ظلّ غياب المختبرات والتجهيزات اللازمة، وفي نيسان من العام 1961، وبعد فشل متكرر، تمّ إطلاق صاروخ ذو مرحلة واحدة طوله 175سم ووزنه 12 كلغ، وارتفع حوالي الكيلومتر. وبعد تحسينات أدخلت على الوقود الصلب، أطلق صاروخ آخر في 15 أيار 1961 طوله 140 سم ووزنه 13 كلغ، وارتفع 2،3 كلم.
في ظل هذه النجاحات قام الرئيس فؤاد شهاب بتقديم منحة قدرها عشرة آلاف ليرة لبنانية في عام 1961، وأخرى قيمتها خمسة عشر ألف ليرة لبنانية في عام 1962. كما قدّمت قيادة الجيش مبلغ خمسة وعشرين ألف ليرة لبنانية.
في عام 1962 قام طلاب جامعة هايكازيان وبعض المهتمين بتأسيس النادي اللبناني للصواريخ، بدعم مالي محدود من وزارة التربية، وتابعوا تطوير مشروعهم وتحسين التصاميم، كما أدخلوا الصواريخ متعددة المراحل (مرحلتين وثلاث)، وأطلقوا اعتباراً من 25 أيار 1962 سلسلة صواريخ أرز (أرز 1 إلى أرز 6).
وقد تفاوت أطوال هذه الصواريخ بين 260 سم و7 أمتار، ووزنها بين 46 كلغ و1250 كلغ، أما مجال ارتفاعها فقد بلغ بين 10 كلم و150 كلم، بينما بلغ مداها 4،5 كلم إلى 350 كلم. وكان أهمها صاروخ أرز 3 الذي أطلق في تشرين الثاني 1962من قاعدة الصواريخ في برج مار يوسف في الضبية بحضور كبار العسكريين، على رأسهم قائد الجيش اللواء الأمير عادل شهاب وقادة المناطق، وجمهور غفير من المواطنين. ولقد ارتفع الصاروخ عمودياً مسافة 200 كيلومتراً، واجتاز مسافة 600 كيلومتراً بسرعة تبلغ 9 آلاف كلم في الساعة، وهو صاروخ من ثلاثة مراحل يبلغ طوله 6،80 متراً وقطره 52 سم ووزنه 1250 كلغ.
وفي العام 1964، ومن دون كشف أي أسباب أو مبررات، تم إيقاف التجارب العملية نهائياً وتوجيه الطلاب إلى الإكتفاء بالأبحاث والدراسات النظرية فقط.
ولقد كشف النقاب، بعد مرور سنوات عدة، عن تبلغ الرئيس فؤاد شهاب "نصيحة" فرنسية شخصية من صديقه الرئيس شارل ديغول مضمونها أنكم قد أثبتم قدراتكم في المجال العلمي، وأنه لا داع لتعريض لبنان للخطر. وقد عمل الرئيس شهاب بتلك النصيحة، وتوقفت على أثرها التجارب العملية لإطلاق الصواريخ.
في شهر تشرين الثاني 1964، وفي عهد الرئيس شارل حلو، أصدرت وزارة البريد بمناسبة ذكرى الاستقلال طوابع تذكارية تحمل صورة الصاروخ أرز.
وفي 3 أيار 1966 افتتح معرض للصواريخ في جامعة هايكازيان وعُرض فيه صاروخي أرز 7 وأرز 8، وجاءت المعلومات عن الصاروخ أرز 8 كالتالي: الوزن 356 كلغ، الطول 5،7 متر، التكلفة الاجمالية 700 ليرة لبنانية. بعدها توقف نشاط النادي اللبناني للصواريخ بشكل تام ونهائي.
بعض أعضاء النادي أصبحوا في ذمّة الله، ولكن المحزن أن غالبيتهم استجابوا للعروض المغرية للعمل والإقامة في الولايات المتحدة الأميركية وحصلوا على وظائف ومراكز بارزة